- يشكل حوض النيل نحو 10 % من إجمالي مساحة إفريقيا، ويقطع النيل رحلة طويلة تزيد عن 6800 كم من منبعه في الجنوب الى مصبه في البحر المتوسط في الشمال. وينبع نهر النيل من جبال وهضاب يتراوح متوسط ارتفاعها بين 1500- 2000 م. ويمر النيل عبر هذه المسافة الطويلة على أقاليم مناخية ونباتية متباينة، لكنه يمر باقاليم تزداد جفافا كلما توغل النهر نحو الشمال، فبينما يبلغ متوسط الأمطار السنوي عند المنابع 1000 ملليمتر سنويا لا يزيد هذا الرقم عن 20 ملليمتر في مصر. ولعل هذا هو ما يؤدي الى تقسيم دول الحوض الى قسمين رئيسيين: دول الجنوب الواقعة على مرتفعات جبلية وهضبية ومن ثم فإن حظها من الامطار والمياه وفير، ودول الشمال الأقل إرتفاعا وأكثر جفافا وأفقر في ثروتها النباتية والحيوانية. ولعل هذا القسيم الطبيعي هو ما جعل دول الشمال معتمدة حتما على الأوضاع المائية (والسياسية والأمنية) في دول المنابع الواقعة في الجنوب.
- وعلى نحو ما لاحظ المؤرخ الإغريقي هيرودوت فإن مصر هبة النيل. إذ رسم نهر النيل والنظام البيئي المرتبط بواديه حدود الحضارة المصرية. وارتبطت الحياة اليومية ارتباطا وثيقا بالبيئة، حتى أن تاريخ وحضارة مصر يتضحان بجلاء دون الحاجة للإشارة للبيئة الطبيعية القديمة التي نشأت وتطورت داخلها تلك الحضارة.
- لقد كان التناغم الطبيعي للبيئة ـ بما يشمله من دورة الشمس، وارتفاع وانخفاض منسوب نهر النيل، والدورة الزراعية الموسمية ـ بمثابة الفكرة الأساسية في المعتقدات المصرية القديمة. كما اندرجت عناصر البيئة النباتية والحيوانية المحلية ضمن رموز الكتابة الهيروغليفية. فالأعمدة المنحوتة على شكل سيقان وأعراف النبات، وأعمدة البوابات الضخمة، والمقابر المنحوتة في الصخر، كلها صدى للبيئة المحيطة.
- ويتفق معظم الباحثين على أن نهر النيل بمثابة أهم ظاهرة جغرافية مؤثرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء. إذ يتدفق نهر النيل من الجبال في الجنوب إلى البحر المتوسط في الشمال. وقد لعب هذا الاتجاه دور البوصلة الطبيعية للمصري القديم الذي كان يفكر في اتجاهات السفر بمنظور حركة واتجاه نهر النيل.
- وحين سافر المصريون خارج بلادهم، كانوا يلاحظون أن الأنهار تجري في الاتجاه “الخطأ” أي من الشمال إلى الجنوب، على نحو ما يوضح نص لتحتمس الأول في مقابر بالنوبة، واصفا فيه نهر الفرات باعتباره “نهرا عكسيا تجرى مياهه في اتجاه المنابع بدلا من أن تجري في اتجاه المصب”.
- كما أدى تدفق نهر النيل في اتجاه الشمال إلى صياغة مصطلحات جغرافية حديثة. فجنوب مصر الواقع في اتجاه المجرى الأعلى عرف باسم “مصر العليا” بينا عرفت الدلتا الواقعة في اتجاه المجرى الأدنى باسم “مصر السفلى”. وقد كانت مصر خلال العصور القديمة مقسمة إلى أربع مناطق جغرافية تشكلت من خلال التقاء تدفق نهر النيل من الجنوب للشمال مع حركة الشمس بين الشرق والغرب. فالنهر يتدفق من الصعيد إلى الدلتا، بينما ترتفع الشمس فوق الصحراء الشرقية وتغرب فوق الصحراء الغربية. ولكل من هذه الأقاليم الجغرافية سمات طبيعية وبيئية مميزة، ويؤثر كل منها على الإنسان المصري بطرق مختلفة.
- تقف الصحاري في تباين كبير مع وادي النيل. وكان قدماء المصريون يسمون الأراضي الجافة في الشرق والغرب من الوادي باسم دشريت Deshret ، وتعني الأرض الحمراء، في مقابل كيميت “الأرض السوداء” أو أراضي وادي النيل.
- خلال شهر يونيو، كان منسوب النيل يأخذ في الارتفاع في قطاعه الممتد بين أسوان والقاهرة مع كمية من المياه الخضراء. ويعزى اللون الأخضر إلى الازدهار المؤقت لأعداد هائلة من الكائنات العضوية الدقيقة.
- وفي شهر أغسطس يرتفع منسوب النهر بسرعة وتتخذ المياه لونا أحمر نتيجة وفرة الرواسب الطميية الحمراء التي يجلبها النيل الأزرق ونهر عطبرة. ويستمر النهر في الارتفاع حتى منتصف سبتمبر ، ثم يستمر عند هذا المنسوب لمدة أسبوعين أو ثلاثة.
- وفي شهر أكتوبر يرتفع النهر من جديد ولكن ببطء ثم يبدأ منسوبه في الانخفاض التدريجي حتى شهر مايو، حين يصل النهر إلى أدنى منسوب له وتترامى على طول السهل الفيضي لنهر النيل حياض طبيعية منخفضة المنسوب. وحين يفيض النهر، تمر المياه من خلال قنوات عبر الجسور الطبيعية، فتغمر معظم هذه الأراضي المنخفضة وصولا إلى حافة الصحراء.
- وحين يخمد الفيضان تنحبس المياه خلف الجسور في تلك الحياض. ولهذه الظاهرات الطبوغرافية فوائد جلية، إذ يمكن استخدام المياه حين تقف في الحياض، كما يمكن تمريرها في قنوات إلى مناطق أخرى حسب الحاجة الزراعية. ومع تنظيم الحياض الزراعية من خلال إقامة السدود وإدارتها بعناية، تصبح الحياض خزانا طبيعيا هائلا يمكنه الاحتفاظ بالمياه كاحتياطي للري لمدة تتراوح بين 6 إلى 8 أسابيع.
- وبهذا المفهوم كان نظام الري المصري وسيلة لإعادة توزيع مياه الفيضان وحسن استغلالها ولم يكن مجرد مصدر مياه على مدار العام لزيادة رقعة الأراضى الزراعية.
مصر هبة النيل
الموقع الجغرافي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)